الأحد، 4 يوليو 2010

طريق العودة




أذكر تلك الرحلة التي خرجتها مع والدي إلى البحر...
كنت صغيرة .. و كانت أول رحلة لي بالقارب
لم أعرف شيئاً عن دوار البحر
و لا عن إحساس ركوب القارب
كل ما تخيلته .. رحلة مثيرة جميلة
مغامرة جميلة .. سأعيشها مع نفسي و مع والدي

ركبت القارب ..
حرر أبي القارب من الحبال التي تشده إلى المرسى
قام بتشغل المحرك .. و انطلقنا بسرعـة عالية
هبت الرياح و تطاير شعري و ملابسي .. شعرت بالإنتعاش و الحيوية
إبتسمت .. كما كانت تشد الرياح زاويتي فمي .. فإتسعت ابتسامتي اكثر !

تدريجياً
أبطأ والدي من سرعة المحرك
شيئاً فـ شيئاً
حتى أوقفه نهائياً عندما وصلن إلى نقطة ما في منتصف البحر
الأزرق ... أمامي و حولي و تحتي .. و فوق .. في كل الإتجاهات الأربع
توقف القارب .. و بدأ في التمايل ..
يميناً
يساراً
إلى الأمام
و إلى الخلف
بترتيب عشوائي بين كل هذه الإتجاهات
توقفت الرياح .. أصبحت تهب بكسل و شح
الشمس .. للتو أراها !
قبل ثوانٍ .. لم أكن أرى منها سوى شعاعها
الآن .. أراها بوضوح .. إنها فوقي
فوق رأسي تماماً بإتجاه عمودي !
نفسي يضيق
أعب الهواء إلى رئتي بـ صعوبة
والدي ولاّني ظهره .. و رمى خيطه الشفاف إلى البحر .. و إنصرف بـ فكره و نظره بعيداً عني
إنتابتني حالة من التراجع
تلفت حولي مرة أخرى .. الأزرق* يحاصرني !
إنه في كل مكان
القارب يتأرجح . يتمايل
يرقص ...
الغثيان يتصاعد
الدوار يسيطر
الرؤيـة .. تفقد وضوحها
و أنفاسي لا تسعفني
أنا وحيدة .. في مواجهة كل هذا
كيف أواجه !؟

لا أعرف
ما زلت صغيرة*

أدوخ .. ألهث
أسحب قميصاً إحتياطياً أحضرته معي
أكوره بعشوائية .. بيدين مرتجفتين خائفتين
ألقيه تحت رأسي
و أستلقي لاهثة .. منهكة القوى
و أغمض عيني ... هرباً
جبناً
خروجاً من الأزرق !

غاب الأزرق .. و ليس أمامي سوى شاشة جفني الداكنة
لكنها الشمس !
ما زالت أمامي .. أشد على جفناي

آه .. الغثيان

و هي أمامي !!

بقعة صفراء لا متناهية الاطراف .. تستعر في جفني
و فوق وجهي المبلل .. و أنفاسي المتقطعة

شددت على جفني أكثر
فـ أكثر
فـ أكثر


حتى رحت في سبات عميق

بعد وقت لا أعلمه

أيقظني والدي ..
عدت إلى وعيي بكل ما بقي في داخلي من شعور بالإرهاق
و آنا أتفحص ما حولي ..
..
..
..
حمداً لله ! ها هو ممر المرسى الخشبي
الحمدلله .. زال حصار الأزرق

وصلنا
عدنا
إنتهت الرحلة
نجونا
:
تلك كانت رحلة قصيرة
من مجمل رحلات طويلة .. لا منتهية
نخوضها في الحياة
في البشر
في أنفسنا
:

ما كتبته .. ينبع من حزن
ناتج عن تغربي عن الناس.. و تغرب الناس و صنوف البشر عني
و عن مستوى تقديري
عدت إلى تلك المرحلة
عدت أقول إلى نفسي : ما زلتِ صغيرة !

كيف أختار؟
ماذا أريد ؟!
تبدولي اسئلة غريبة عن الوجود
غريبة عن تكويني
:
تهــت
و تاهت بي تقديراتي
ليست الحياة بتلك السهولة التي ظنناها في تلك الأيام البعيدة
ليست الحياة رحلة قصيرة .. محنة قصيرة تنتهي بالهروب منها
لا بالنوم .. و لا بالتجاهل .. و لا بالإصرار على أن كل شيء بخير
و لا بالصـد .. و لا بالبعد ...

بل تحتاج قدرة جباّرة على المواجهة و المجابهة
أماّ طريق العـودة
فـ يبدو أني ما زلت مغمضة العين عنه
أجهله ..
أسلم القيادة لـ غيري حتى يوصلني إلى ذاك الطريق
ما زلت أجهله .
:
~
و اللي اعرفه .. أخاف ماني بـ أعرفه
و لا أظن يذكرني إذا أقبلت مقفي
ماهو حبيبي مورد القلب حتفه
ولا هو حبيبي .. يفرح بـ وقت ضعفي
هذا و تــو الليل.. ما راح نصفه
يا ليل بعض اللي مضى منك .. يكفي !
~

* 1 : الازرق = الواقع
*2: صغيرة = عديمة الخبرة \ صغيرة الخبرة

هناك 5 تعليقات:

Antonio يقول...

ما أجمل الازرق سوبر ...
انه جميل ..
الازرق لون الهدوء لون القوة ..
لا يظهر الا بانعكاس الشمس ..
انعكاس هل خفتي من الانعكاس ..
اصبحتم اثنان انتي والبحر ..
فاصبح البحر انتي ..
وما اجمل البحر بعيون الانعكاس ..

موضوع ولا اجمل ..
استمتعت بمتعه الرحلة ..
ولونها الازرق ...

تقبلي احترامي الكبير
دمتي بالف خير

سلة ميوّة يقول...

اخاف


...


حين أقرا كلمات تشرح وضعي!


كلمات بصمت تقرأني قبل ان أقرأها..


اشعر بخوف...


برغبة بالبكاء..فأضحك!!







سأتوقف عن الكتابة الآن...

وسأتلو دعاءا لي ولك...




بأن لا يزول الأزرق...لكن دعه يخف قليلاً...

ويتشح بالقليل من الطراوة


حبي:*

7osen يقول...

بوست مبدع

شرح مافي النفس يحتاج إلى قدرة كبيرة وتواصل مع النفس ..وابدعتي أنتي فيها بصورة رائعة

ماهو الأزرق
وماهي هذه الرحلة التي عدتي منها سريعا

رحلاتنا في الحياة مستمرة ..
وعلينا دائما إن كنا نريد الخلاص أن نملك القدرة على العودة

جميل النص جداً
ويحتاج إلى القراءة أكثر من مرة

غير معرف يقول...

النهاية .. عدت من جديد .

لم أقرأ تردد وخوف في سطورك ..

الحياة . بأزقتها الموغلة ..
موغلة في النفس ، في الأعماق ..

هي تعتمد على ذواتنا ، ترويضنا لها ، يجعلها مطواعة .. لماذا والد الفتاة يسرح في الصيد بينما هي ..!!

لابد وأن يأتي يوم للفتاة و تكون رحلة صيد كهذه اعتيادية ..

الحياة . بتفاصيلها ..
عبارة عن اعتياد ..
إن غيرتِ خط بسيط استمتعتِ
وإن تغيرت كل الخطوط .. ارتعبتِ

الأهم هو أن نؤمن ..
نؤمن بثقتنا ، قدرتنا ، ذواتنا ، تواجدنا ، تحدينا ، فوزنا ، صراعنا .. أن نؤمن بأننا في هذه الحياة .

وشكراً لك

LavenDer يقول...

فلسفة الحياة وواقعها .. فلسفه عميقة سردتها لنا بصوره بسيطه .. جميله ..


التوهان والطريق الغير واضح لا يدومان ..فقط ان اخترنا نحن ذلك ..

فالغثيان لا يأتي الا في المرة الاولى .. او الثانيه ربما .. و لكنكِ ان عاودتِ الكرّه و خرجتِ لرحلات اخرى فلن تجديها ..
ربما يكون الاعتياد .. و ربما يكون الفهم الصحيح لما أنتِ فيه هو السبب ..


اما العوده فهناك دائما طريقا عاما للعوده يقدر عليه كل أصناف البشر و واضح للجميع .. فقط ابحثي في قرارة نفسكِ و بأعمق مستوى يصل إليه إيمانكِ الخالص .. سترينه هناك جليا واضحا و جميلا ايضا ..

--

نص رائع انعكاس ..
شكرا لكِ ..