الأربعاء، 14 يوليو 2010

الحيــاة أولاً


~ مدخل :
جالسة على السرير .. و فمي محشو بالبسكويت
و لكنه لم يشبع فيي شيء ! لا جوعي للتغيير و لا للتعبير
و لا حتى جوعي العاطفي ..
وعدتكم بأن ألحق القصة الاولى بالثانية فور النشر .. لكني قررت منح القصة بعض الوقت كـي تأخذ حقها :)

القصة الثانية و الاخيرة
مع الزميل العزيز : حسين ، مدونة ( تحت الصفر )
بعنوان : الـــحيــــاة أولاً
.:.
اليوم كان مختلفاً منذ أن مضى الليل بثقله الكريه وتهادت نسمات الفجر معلنة قدوم نهاراً جديداً من الشقاء والانتظار ..
قفز البائس ذو التقاطيع الوسيمة صاحب الجسد الرياضي المتقن من مرقده وارتدى الجينز والتي شيرت المهترئ واضعاً "كيس" يضم لباس عملة تحت إبطه ومضى مع مجموعة كبيرة من العمال ارتدت رداء عملها و وضعت كل شقائها و احتجاجها المنحوت على ملامحها السمراء القادمة من البعيد أمامها وبدأت يوما أخر .

كان مميزاً بينهم بقامته الصلبة رغم قصِرها ،وجسده المفتول كان مختلفاً عن الجميع ..
أكثر إنسانية ورغبة في التطور و تطلعاً إلى الآتي ..
أتى كما الجميع من بعيد ..من الأكواخ الصغيرة الـنتنه و من خلف الأبقار والحقول اليابسة .. يحلم بحالة أفضل يسعى لها هو المفرد من ضمن الملايين في العالم بأكمله حتى أن العالم نفسه يسعى للتطور على نحو غريب لا يتوقف و لا ينتهي ، كلٍ على هواء طموحه ورغبة أحلامه ..

كان صغيراً جداً عندما أخذه والده من بين تراب الحقل وسنابله وألحقه بالمدرسة رغبة في إنارة عقله بضوء العلم .. ودع أترابه بسأم ، قبل أن يدرك المبالغ التي تكبدها والده .. و قبل أن يدرك قيمة هـذا العلم الذي لا يطاله إلا قلّة قليلة من أقرانه .
كان والده شديد العزة .. لكن الفاقة تقتل الرجال كما يقولون؛ وضعه الفقر تحت أقدام أصحاب السلطة والنفوذ ولم تطعم عزته زوجته وأطفاله حينما رفض الانسياق إلى تيار الانكسار الهادرلكنه وجد ما يقتات به عندما أصبح يشبه العتبة التي تدوسها أقدام الأسياد..
و كان يحلم بكل إصرار بأن يصبح ولده حلمه الذي لم يتحقق .. فسحق نفسه بالعمل من أجل توفير حياة أفضل لولده البكر ، و ألحقه بالمدرسة في قرية نائية لا ترى في الحياة سوى البقر والحقول الخربة..

شب الولد متفتحاً كزهرة ندية وسط كومة حشائش تآكلتها الصفرة وتقصفت جذوعها.. صمم والده على أكمال الشاب مسيره في الحياة في مكان أخر يقولون إنه يطمر من يذهب إليه بالذهب والعزة و العيش الكريم !
فقرر أن يتغرب ولده للعمل .. هـــناك، بعيداً في بلاد الذهب الأسود التي تسيل أنهار الوفرة فيها ، وما عليك إلا أن تجد فرصة لتعبأ قواريرك وتعود سيداً في أرضك تدبر الوالد أمر ابنه .. وأصبح كل شيء جاهزاً للرحيل .

لازال يتذكر ذلك اليوم جيداًعينيها لم تفارق خياله .. وقفت بعيداً .. تتأمل مشهد وداعه لأهله و بكاء أمه بقلبها المنفطر و إنتصاب قامة أبيه المعتـزة برحلة ولده المنتظرة .. عينيها .. و هي تراه يحمل أحلامهم و آمالهم و مستقبل إخـوته الصغار .. عينيها فقـط ... لاحقتـه .. أسـرته ، حمل نظراتها في قلبه و روحـه و وعدها بأن يعود محمل بالغنائم ليقيم لها عرساً ليس له مثيل و بيتاً لا يشبه أكواخ القرية .. ثبت نظراته فيها و هو يقول : أعــدُك ِ .. أعدكِ اخبرها إنه سيظل يجتر أيام طفولتهما المشتركة حتى يعود و يلتـم الشمل.


الــيوم .. مضى على تلك الليلة 8 سنين كاملة دون أن يستطيع توفير الكثيرالحياة هنا أشد شقاء من تنظيف حقول البقـر .. و الحفر المتواصل في الحقول بحثاً عن جذر نضر! الحياة هنا مصطنعة .. لامعة لدرجة تثير الغثيان ! لا شيء غير الذل .. و الحر.. و المعاناة.. و الأحلام التي تراها كل يوم تنهار أمامك ! الأيام جمرات تشتعل في صدره .. و رغبته في العودة إلى عينيها تتوالد في كل لحظة يـود فقط لو يستلقي إلى جانبها .. و يفرغ ما بداخله من ألم .. لو يتكور و يدخل في حضنها ليعود طفلاً ..
لو يهـرب من نظرات أخوتـه و رجاء والدته .. لو يهرب من رسالة والده !
الرسالة الأخيرة من والده كانت تحمل أخبار سيئة .. المرض يكاد يفتك به والحبيبة لم تعد تقوى على صد الراغبين .. يجب أن يعود.

و لا يقـوى حتى الآن ...خياله كان سارح في كل هذا .. في البعيد وهو يدفع عربة الجمعية التعاونية هذه الرجل الرخو المحملة بالكثير ويسير خلفه ساهماً ..لم ينتبه لوقوف الرجل المفاجئ أمامه ولم يستطع تفاديه لتأخذ العربة طريقها إلى مؤخرة الرجل الذي تداعى على الأرض قبل أن يقوم وهو فائر الأعصاب ويسدد صفعة قوية على صدغه طوحت به مرتداً إلى الخلف ..طوى قبضته القوية وهم بتسديد ضربة إلى وجه الرجل..!!
لكنه أحجم بذل .!وأطلق لسانه بعبارات الأسف و الإعتذار ..نهره الرجل ومضى بعيداً بعد أن عاقبه بأن لم يضع بيده أي عملة نقدية..!
شعر ببخار يتصاعد من صدره .. إجتاحته رغبة بالإنقضاض عليه و هو يركب سيارته الفارهة ليسدد له لكمات و صفعات كثيرة كتمها و لجمها في قضته ، لكمات ود لو يسددها إلى الحياة .. إلى تلك الــقدرة المجهولة التي تدير الظلم .. و تقسّم العدل على من لا يحتاجونه ..
تعطي الأمل لمن لا يشعرون بقيمته .. و ترمي الخيبة على من يمزقهم الإنتظار !
شعر برغبة عارمة في العودة إلى وطنه والزواج من حبيبته والاستقرار هناك إلى الأبـد .. ربما وطنه الفقير و حضنها الهزيل هما من سيمنحانه الانتماء و الأمان و الكرامة .

قـــرر الرحيــل .. فكم صفعة بالحياة بإمكانها أن تعيدنا إلى الصواب كل شيء له سبب .. وهـو لم يكن يريد إلى سبب .. وهذه الصفعة منحته إياه .
أحساس بالارتياح تمدد في قلبه أخر هذا اليوم الطويل .. غداً سيخبر الجميع بأنه عائد إلى بلاده و بظرف أقل من أسبوع سيكون هناك .. القليل الذي جمعه من هذه السنين يكفيه ليكون نصف سعيد ..خلع لباس العمل وارتدى ملابسه التي تظهر عضلاته المفتولة و بنيانه القوي و قميصاً أبيض .. و بنطالاً بنياً خبأه في صندوق ثيابه طويلاً .. ليوم العودة ، فتح أزرّة القميص العلوية كاشفاً عن صدره اللامع الصلب .. و مشـط شعره إلى الخلف ...

دخل إلى الجمعية ؛ مقر عمله و أمله الذي كان .. مزهواً بقراره أمام بقية العمال ببدلاتهم الزرقاء ، لاحقوه بنظراتهم . بعضهم بدهشة ...و بعضهم الآخر بحسـرة على أحوالهم .
توجه إلى ثلاجة المرطبات ، و أختار أكثر زجاجات "البربيكان" بروده بطعم التفاح .. فالــيوم هو سيلبي رغبات نفسه دون قيود ..
و في هذه الأثناء .. تــأتي هي ، مجرد إنسانة أخرى في هذه الحياة . كل ما يميزها .. إنسانيتها وقفت بسيارتها و قررت البقاء لدقائق قبل النـزول فقد جذبها لحنٌ ساحر انساب من محطتها الإذاعية الكلاسيكية .. أسندت رأسها بذراعها و أخذت تصغي و تتأمل مشهد عـمّال تجمعوا في زقاق جانبي مظلم جزئياً ، تسلل إليه شعيرات قليلة من شعاع الشمس ... في هذه الأثناء ..

خرج هو مزهواً نافشاً ذراعيه يسير على مهل والأمل يغسل فؤاده بعوده قريبة حاول فتح الزجاجة بطرف إحدى العربات المتناثرة أمامه فلم يفتح .. ما كان منه إلا أن انقض على الغطاء بأسنانه فشهقت هي بتفاعل شديد مع المنظر !.. ثم قذف بغطاء الزجاجة بعيداً بعد أن انتزعه بحركة تمثيله وهو يلمح عيون جميلة ترمقه بنظرة دهشة من تلك المركبة القريبة..لم يأبه لها فهو سيعود لعينين أجمل .. أخذ رشفة كبيرة من زجاجته وأكمل سيره عبر الطريق الضيقة المظلمة والعيون الجميلة مازالت تراقبه من الخلف ...
.:.

مع تحيات
إنعكاس & حسين
:)

هناك تعليقان (2):

سلة ميوّة يقول...

أعود واشيد بهذه المبادرة



فعلا مبدعة وجميلة


القصة أكثر من رائعه

بكلماتها ومفرداتها اللغوية الجميلة وتسلسل الأفكار


معجبه انا بهذا الإنجاز ..ولكم هو مبدع


تقبلا ودي الكبير

واعجابي

الف شكر

@alhaidar يقول...

ماشاء الله ..

فعلا جميل أن تتألقا في هذه القصة المميزة ..

فقط أردت إبداء الإعجاب وإلقاء التحية ..

عمتم إبداعا ..